ينابيع الشرق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصليب المقلوب في الكنيسة البابوية للـ د. غزوان أحمد علي

اذهب الى الأسفل

الصليب المقلوب في الكنيسة البابوية  للـ د. غزوان أحمد علي Empty الصليب المقلوب في الكنيسة البابوية للـ د. غزوان أحمد علي

مُساهمة من طرف Admin السبت سبتمبر 15, 2018 6:15 pm

الصليب المقلوب في الكنيسة البابوية
د. غزوان أحمد علي
من منا يعرف لماذا في الكنيسة البابوية هناك صليبٌ مقلوب ؟
ولماذا البابا نفسه يحمله سواءٌ في الكنيسة أم في أكثر من مناسبة ؟ أهو رمز للشيطان وعبدة الشيطان ؟ كما هو سائد في أفلام هوليوود وثقافتها ؟
لا ، هو رمز للقديس (بطرس) الذي صُلب بشكل مقلوب ، فعلى مدى قرون كان الناس يعرفون أن الصليبَ المقلوب رمزٌ مسيحي مأخوذ من قصة صلبِ القديس بطرس الذي قُرر إعدامُه صلباً ، فكان طلبه الأخير أن يُقلبَ صليبُه فيُصلب ورأسه نحو الأرض لأنه شعر أنه لا يستحق أن يكون كـ يسوع المسيح ، وأصبح الصليب المقلوب يسمى صليب القديس بطرس ، والذي بات رمزاً للتواضع ، وهكذا يحمل البابا الصليبَ المقلوب على أنه خليفة القديس بطرس -البابا الأول للكنيسة الكاثوليكية-
لكنّ مناهضي البابا -من الكاثوليك والملحدين وغيرهم- ادّعوا أن البابا هو المسيح الدجّال لأن الصليب المقلوب هو رمز يستخدمه عبدةُ الشيطان فيما يسمى بالقداس الأسود ، فعبادة الشيطان تحارب وتعكِس كل الرموز المسيحية حتى القداس ، ولهذا يستعمل أتباع الشيطان الرموز المسيحية معكوسة ، فالصليب المقلوب غالباً ما يكون الآن رمزاً لمعاداة المسيحية والأديان بشكل عام ، أما كيف تحول الصليبُ المقلوب من رمز مسيحي إلى رمز شيطاني فقد كان لليهود التلموديين الدورُ الرئيس في ذلك . .
.
بدأت القصة بعد نجاح الثورة الفرنسية وإعدام لويس السادس عشر وماري إنطوانيت فمعظم الأدلة التاريخية تشير إلى ابن لويس السادس عشر قد مات في السجن وهو في العاشرة من عمره في عام 1795 فقد سُجن الطفلُ السيئ الحظ في حُجرة مظلمة ومُنع من مشاهدة أحد ، وكان طعامُه يُدفع إليه من أسفل الباب فمات بعد ستة شهور بمرض الأسقربوط (من أمراض سوء التغذية والرطوبة) ولكن لم ير أحد جثته ، وانتشر بين الناس أن رجال الدين استطاعوا تحريره ، بل إن [دائرة المعارف البريطانية] تقول إن قصة الهرب محتملة تماماً كقصة الموت بسبب سوء التغذية ، وعلى كل حال فإن أحداً لم يسمع به بعد ذلك ، ولكن يتقصى الوجودي "ولسن" قصةَ ابنِ لويس السادس عشر فيقول إن رجلاً ألمانياً يُدعى "كارل ويليام نوندروف" قد أعلن من فرنسا أنه وارثُ العرش المفقود ، وذلك في عام 1822 ، وتنبأ أن فرنسا ستنهار إن لم يعد صاحب العرش إلى عرشه ، واجتمع حوله عدد كبير من المؤيدين والمتحمسين وبعضٌ من رجال الدين ، ووصلت النبوءة إلى شخص يُدعى "فينتراس" فانضم إلى "نوندروف" ، وكان لانضمامه أثرٌ كبير لما كان يتمتع به من تأثير على الكنيسة ، فسرعان ما انضم عددٌ كبير من رجال الكنيسة إلى الدعوة الجديدة مما جعل السلطات تسارع إلى نفي "نوندروف" من فرنسا وطرده عام 1826 ، ومات لاحقاً في إنكلترا عام 1845 ، فقال أتباعه إن فرنسا ستدخل في مرحلة من الكوارث المروعة ، وشاءت المقادير أن تدخل فرنسا في كوارث عديدة فعلاً ! فاستغل "فينتراس" ذلك وأسس جمعية دينية لدرء الكوارث ، وازدهرت جمعيته بسرعة لافتة ، فأعلن أنه تجسيدٌ جديد للقديس "بطرس" ، وحمل الصليب المقلوب كإشارة إلى صلب "بطرس" ، ولكن هذه الخطوة جعلت البابا يتهم فينتراس بالهرطقة ويقرر حرمانه وجماعته من الكنيسة ، وطردهم منها ، وبذلك تم حرمانهم من أي دعم مادي ، ولكن وعلى الرغم من الحرمان والطرد فإن جماعة (وارث العرش) استمرت بالنمو والانتشار ، فقد أتتها مساعدات مالية ضخمة لتستمر من دون الحاجة لكنيسة البابا ! الأمر الذي جعل فينتراس يعلن عن إنشاء كنيسة خاصة بجماعته وذلك في عام 1875 وأطلق عليها اسم كنيسة (الكرمل) وانضم إلى الكنيسة الجديدة كثير من القساوسة وبخاصة القساوسةُ الذين كان لديهم إشكالات مع كنيسة البابا والمطرودون منهم . .
.
وكان أحد أهم القساوسة الذين انضموا إلى كنيسة (الكرمل) هو القس بوللان الذين كان مطروداً من كنيسة البابا بتهمة ممارسة السحر في جمعيته التي كان أسسها قبل 15 عاماً من انضمامه ، و[بوللان هو الحفيد الرابع لأحد التجار اليهود الهاربين من محاكم التفتيش في إسبانيا وكان قد ترك اليهودية واعتنق المسيحية في احتفال ديني ضخم] ، وكان لانضمام بوللان أثره النفسي والعددي إذ تبعه جميع أعضاء جمعيته وسرعان ما بدأ النزاع بين بوللان وفينتراس حينما أعلن بوللان أن فينتراس عينه خليفةً له في رئاسة كنيسة (الكرمل) ، ثم مات فينتراس في ظروف غامضة ، وبدأ عهد بوللان الذي سيطر تماماً على كنيسة (الكرمل) وبدأ بنشر تعاليمه وأفكاره التي تقول :
[إن آدم وحواء قد طُردا من الجنة بسبب الجنس وهو السر الإلهي وسر الخلود فلا بُد للإنسان من أن يُعيد رفعَ نفسه ويسمو بالوسيلة نفسها]
وانتشرت فكرته هذه انتشار النار في الهشيم حتى إن كثير من الروائيين سرقوا فكرته وبنوا عليها قصصهم ، ولعل الفكرة التي جعلت بعضاً من الأعضاء يتركونه هي أنه كان يقول :
"كما تقدم القرابين للإله بما يعجبه كذلك يجب أن تقدم القرابين للشيطان بما يعجبه أيضاً"
وكان بوللان أول من نفذ تلك التعاليم فقد ذبح طفله غير الشرعي -والذي أنجبته زميلته في الجمعية من دون زواج- وقدمه قرباناً للشيطان في حفل ديني .. ونتيجة لذلك دخل السجن ، ثم تدخل رئيس أساقفة باريس وقرر حرمانه نهائياً من لقب (قس) . .
ولكن استطاع بوللان الخروج من السجن بعد شهر واحد ، ولم يعرف أحد كيف استطاع بوللان الخروج من السجن والعودة إلى عمله بشكل طبيعي ! بل استمر أكثر بنشر أفكاره وتعاليمه ولكن هذه المرة باسم جمعيته القديمة ولم تستطع السلطات كشف خفايا جمعية بوللان إلا بعد أن تصنّع شاب يُدعى "ستانيسلاس دي جوتيا" الانضمام إلى الجمعية ، وما إن كسب ثقة بوللان حتى عرف كثيراً من الخفايا ثم كشف كل شيء في كتابه [معبد الشيطان] في عام 1891 ، ولكن "جوتيا" لم يكتف بذلك بل انخرط في أساليب بوللان وحاول ممارسة ما يُدعى بـ "السحر الأسود" عليه ! وبدوره حاربه بوللان بالأسلوب نفسه ، واستمرت المعركة سنوات طوال حتى مات بوللان في عام 1893 بسبب التهاب في الرئة انتهى بأزمة قلبية ، ثم مات جوتيا بعده بخمس سنوات بسبب جُرعة كبيرة من المُخدرات ، وكان بوللان -وقبل موته بشهور- قد وافق على عرضٍ قدمه له الروائي "ج . ك . هيوسمانز" لكي يكتب رواية تتحدث عن تعاليمه ، وقد وعده هيوسمانز أن يجعله إحدى شخصياته الرئيسة في روايته التي تعتمد على ما سماه بـ 'الإنسان الأسمى" وقد وفى بوعده ، وصدرت الرواية في العام الذي مات فيه بوللان -فلم يستطع تأكيد شيء أو نفيه- وصدرت الرواية بعنوان "العالم السفلي" متضمنة شخصية تُدعى بـ الساحر الأبيض ! الذي يُسيء الناسُ فهمه ، وقد حملت هذه الشخصية اسم (الدكتور يوهانس) وهو الاسم الذي كان يتخذه بوللان أحياناً وكان من صفاتها القيام بالمعجزات وشفاء الناس من أعمال السحرة الأشرار [وهي شخصية ما تزال هوليوود تعمل على انتشارها وآخرها فلم "سيد الخواتم"] وكانت الرواية فاشلة جداً من الناحية الأدبية ولكنها أصبحت وثيقة هامة للغاية لمن يبحث عن نشأة القداس الأسود ، وعن قصة تحريف دلالة الصليب المقلوب ، ولكن الرواية امتلأت بما أصبح مادة دسمة لمن يبحث عن الشر ومُسوغات له ، ولم تمض عشرون سنة حتى جاء "د . هـ . لورنس" الذي رد على معظم مسوغات الشر وختم بمقولته الشهيرة التي رد فيها على أتباع القداس الأسود وفكرة القربان الأسود قائلاً : "ليست عبادة الشيطان سوى فرضية عكسية مُصطنعة دفعها إلى الوجود التعصبُ والإحباط وليست تعبيراً أصيلاً عن تمرد الإنسان على فكرة الإله" . .
.
ولكن لم يكن بوللان وأفكاره لتجد أُذناً صاغية في أوربا لولا نشاطٌ فلسفي موازٍ -وإن لم يكن له علاقة مع أفكاره- ففكرة (الإنسان الخارق) لدى الفيلسوف نتشه كانت تنتشر بشكل مواز لفكرة (الإنسان الأسمى) لدى بوللان ، ولعل كتاب نتشه الشهير [عدو المسيح] أكثر ما يوضح ذلك ، فنتشه هو عدو الأخلاق الأول (الأخلاق المُتعارف عليها في المُجتمعات) ، وذلك بدءاً من تعريف الخير والشر والسعادة ، فيعرف نتشة الخير بأنه الشعور بالقوة داخل الإنسان ، في حين يرى الشر في كل ما يتأتى عن الضعف ، أما السعادة بالنسبة إليه فهي الشعور بأن القوة تتنامى ، ولذلك يُعد نتشه أن الشفقة هي خطيئة الإنسان الكبرى ، وبسببها لا يستطيع الإنسان التطور لإنسان أرقى ؛ ويشن نيتشه حربه على المسيحية ، فيعدها أسوأ ما أنتجته البشرية في تاريخها ! ويقارنها بالبوذية والإسلام ليصل إلى نتيجة مفادها أن كل الأديان أفضل من المسيحية (مع أن نيتشه ضد الأديان بالمطلق) ، بل يعتقد نتشة أن المسيحية حرمت الأوروبيين من ثمار الحضارة الإسلامية في إسبانيا وكان يتمنى لو انتشر الإسلام في أوربا ! ثم ينهي نتيشه كتابه بـ "تشريع ضد المسيحية" يعلن فيه الحرب على المسيحية بكونها الرذيلة الكبرى ! لقد أثر نيتشه في الحركات النازية والفاشية التي صعد نجمها قبل الحرب العالمية الثانية ، وتبنت النازية كثيراً من أفكاره فكانت تطبق عمليات الإعدام على المعوقين على أنهم فائضون عن الحضارة ، وانسحب ذلك لاحقاً -وعلى الرغم من خسارة النازية- انسحب إلى ما تطور إليه الفكر الغربي حالياً حول عدم الشعور بأن بقية الناس في العالم لهم الحق بالحياة كمثلهم !
.
يتبع . .
.

.
من كتابي [جوانب من مغامرة الأسطورة
في العصر الحديث]
.
الطبعة الرابعة (بتصرف)
.

Admin
Admin

المساهمات : 5
تاريخ التسجيل : 01/09/2018

https://yanabie-alsharq.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى